في ذكرى مرور أربعة وخمسين عاماً على إنشاء جامعة الكويت، نقف لنستذكر ونفخر بهذا الصرح العريق والرافد الأساسي الذي يمد الوطن باحتياجاته من الكوادر المؤهلة بالعلم والمعرفة. أربعة وخمسون عاماً وهي منارة للعلم ومنصة للمعرفة وقاطرة للفكر والثقافة، فقد نهلت منها الأجيال وترعرع في كنفها العلماء والمفكرون والسياسيون ورجال الدين لأكثر من نصف قرن وما زال النبع جارٍ.
باتت آفاقها العلمية تتسع لتغطي الكويت والمنطقة فأصبحت تضم 16 كلية عوضاً عن أربع كليات وأكثر من 36 ألف طالبٍ وطالبةٍ بدلاً من 418، وسعة مكانية تبلغ ستة ملايين متر مربع، فهي تسعى دائما إلى تمكين الفكر الإبداعي ونشر المعرفة الإنسانية وإعداد الثروة البشرية والقيادات الواعية.
وفي ذكرى الافتتاح الرسمي لجامعة الكويت في 27 نوفمبر 1966 نستعيد الكلمات الخالدة لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح في فاتحة الاحتفال حين قال فيها " باسم العلي القدير نفتتح جامعة الكويت صرحاً شامخاً نتوج به هامة التعليم في بلادنا، وحصناً راسخاً ذخيرته العلم والبحث العلمي ونحمي نهضتنا ونقيها عوامل التخلف والجمود، بل ونصعد بها سلم المجد درجة بعد درجة على دعائم قوية من عقول وسواعد أبناء البلاد. جامعة نعتز بها ونفخر، ونضع فيها من الطاقات والإمكانيات ما يجعلها منارة مرموقة على شواطئ العلم والبحث العلمي، ليس في عالمنا العربي فحسب ولكن بين قريناتها من جامعات العالم كله، نقويها ونرعاها لأنها تحتضن درة حياتنا بناتنا وأبنائنا، هم الدعامة الأولى لمستقبل هذا الوطن ومحط آماله وأمانيه، ولا تدانيها أي ثروة أخرى مهما بلغت وأيا كانت".
ومنذ افتتاح جامعة الكويت وهي تحمل على عاتقها تخريج الكوادر الفاعلة والمدربة والمؤهلة بالعلوم الحديثة والخبرات والمهارات المعرفية جيلاً بعد جيل، لتضمنها جميع روافد الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية، فقد مر نصف قرن وأربع سنوات من الجهد والعطاء المتواصل والسعي الدائم والدؤوب للتطوير والارتقاء بأهم صرح أكاديمي وعلمي في دولة الكويت.
ولطالما كان لأعضاء الهيئة الأكاديمية وطلبة جامعة الكويت الدور الكبير المشرف في تمثيل دولتنا في المؤتمرات والمسابقات والمناظرات الدولية، وحصولهم على براءات الاختراع التي من شأنها أن تترك بصمة دالة على جودة التعليم في هذا الصرح التعليمي وجودة مخرجاته، والفرص المتاحة والمشجعة على البحث العلمي والابتكار.
وتعتبر احتفالية جامعة الكويت بمرور 54 عاماً على إنشائها، محطة مهمة للوقوف والاعتزاز بكل ما حققته طوال مسيرتها الأكاديمية الحافلة بالإنجازات، وفق الخطة الاستراتيجية للجامعة التي تعكس سياسة التخطيط السليم مع مراعاة متطلبات التطوير والتنمية، لتواكب المستجدات والمتغيرات وأبرز القضايا التي نمر بها في وقتنا الحالي، ورسم السياسات التي تحاكي الواقع وتستشرف المستقبل وتحدد أدواته وأفضل السبل لتحقيقها، وفي خضم التحديات القائمة، والمتطلبات المجتمعية، نجد أن جامعة الكويت تقف دائما مع التنمية المنشودة في كافة المجالات المعرفية والاقتصادية والاجتماعية بما يتوافق مع تطلعات وطموحات دولة الكويت.
من هذا المنطلق انتهجت الجامعة توجيه اهتماماتها نحو الجودة والابتكار والتنمية المستدامة وتبني الأفكار الداعمة لرؤية دولة الكويت المستقبلية لعام 2035، حيث أنها افتتحت أحد أكبر المراكز التعليمية في العالم وصرحاً يضاهي أعرق الجامعات والمتمثل في (مدينة صباح السالم الجامعية) التي تعكس المكانة العلمية المرموقة لجامعة الكويت بين مثيلاتها في المنطقة، وتحتوي على كافة الكليات الجامعية التي تمثل كل واحدة منها تحفة معمارية تنسجم جمالياتها مع فلسفتها التعليمية وخصوصيتها الدراسية، وثلاثة مشاريع مساندة وهي مشاريع للأنشطة الطلابية والمباني الإدارية والمباني الأكاديمية المساندة، بمساحة تبلغ ستة ملايين متر مربع في منطقة الشدادية جنوب العاصمة الكويتية، وعلى أعلى مستوى عمراني وتكنولوجي يعكس مكانة هذه المؤسسة العريقة.
والجدير بالذكر أن جامعة الكويت شهدت هذا العام استقبال الطلبة وعقد المحاضرات في الحرم الجامعي الجديد لجامعة الكويت في مدينة صباح السالم الجامعية، بالإضافة للاستلام الابتدائي الجزئي للحرمين الشماليين في كلية العلوم الإدارية وكلية العلوم الحياتية والمسجد الملحق بهما بتاريخ 9 نوفمبر 2020، كما تم الاستلام الابتدائي الجزئي لمبنيي الطلبة في حرم كلية الآداب وكلية التربية بتاريخ 29 يناير 2020، بالإضافة للاستلام الابتدائي الجزئي للحرم الشمالي الخاص بكلية العلوم ونادي أعضاء هيئة التدريس بتاريخ 11 نوفمبر 2020، وأتمت استلام كافة مباني الكليات الشمالية بالاستلام الابتدائي الجزئي للحرم الشمالي لكلية الهندسة والبترول والمسجد الملحق به بتاريخ 16 نوفمبر 2020 وهو الحدث الذي يصب في مصلحة الطالب وأعضاء هيئة التدريس والذي من شأنه الارتقاء بإمكانات الجامعة ومخرجاتها لمواكبة سوق العمل والتميز به.
وتأتي هذه المناسبة هذا العام بالتزامن مع الظروف الصحية التي تمر بها البلاد نتيجة جائحة فايروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والتي أثبتت خلالها جامعة الكويت جدارتها وحرصها على المستوى التعليمي لطلبتها وطالبتها بأعلى المقاييس العالمية عبر منصتها التعليمية، وذلك في ظل حرص الجامعة على سلامة وصحة الطلبة ومرتادي الحرم الجامعي، وتحقيقاً لرسالتها السامية ورؤيتها الثاقبة فقد تصدت إلى هذا الوباء بالعلم والمعرفة وتقبل الصدمة بذكاء ومرونة وبالشكل المطلوب، ونجحت في تذليل العوائق بالتحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني بكل سلاسة ويسر لما تملكه من الكوادر المؤهلة والإمكانات التكنولوجية.
كما أثبتت عزيمة أبنائها الطلبة وجهدهم الدؤوب للتغلب على هذه الظروف، والتعاون مع الأساتذة نحو تعليم متميز مواكب لأحدث الطرق التعليمية لمواصلة مسيرتهم العلمية التي بدأها الآباء منذ نشأة الجامعة وأكملها الأبناء كإرث تاريخي ومسؤولية علمية، لتتمكن جامعة الكويت متمثلة بكافة قطاعاتها ومنشآتها وأساتذتها وموظفيها من التعاون ليظفروا بمستوى تعليمي وجودة أكاديمية تليق بالكويت وفق المقاييس الأكاديمية العالمية المتبعة في الجامعات المرموقة.
وتستمر مسيرة نجاح جامعة الكويت عبر السنوات، فهي النبراس الذي يضيء الطريق أمام طلاب العلم لينهلوا من المعارف والعلوم لبناء الوطن وخدمته ورفعته في جميع ميادين الحياة، ترعرع في كنفها العلماء ونهل من علومها الأجيال، فهي نبعٌ لا يجف ماؤه.
صورة